وألتقينا..
وألتقينا..كانت عيناه تموجان بى. ضبطت يدى تتلصص خلسةً تحت الوسادة لتلامس كتاباً أهدانيه فى لقائنا الأول,لوهلة..لم أجد الكتاب,فتيقنت من أن ذاك كله كان حلماً شتائياً أيقظنى منه لسع حرور الشمس على جلدى وعلى لونك القمحى المسمر ونحن نقف سوياً فى انتظار الحافلة التى تقلنى..وفجاة.. أمسكت يدى بالكتاب,سحبته من تحت الوسادة لأضعه أمامى وأنظر لعنوانه,وحينها عاد الحلم يمتثل حقيقةً أمامى..حقا كان ذاك حقيقةً..حقيقةً وجدت فيها ماضيى المسلوب وحاضرى المشرئب بعنقه عله يرى مستقبلاً مفعماً بحياةٍ أجد فيها نفسى التى ظللت أبحث عنها طوال سبعة وعشرين شتاءاً...نعم ..ظللت أبحث عنك طوال سبعة وعشرين عاماً..أبحث عنك فى أوجه الغادين والرائحين,أبحث عن شبح قمحية لونك المأتلقة تحت ضوء الشمس وحبات العرق تندى على جبينك المحبب كلؤلؤاتٍ صغيرة..
وقدمت من البعيد..أحطتنى ,حاصرتنى..لففتنى وأقتحمتني,ملأتنى وانسبت فى لحناً بطعم زخات المطر.. برائحة طين الجروف وألوان قوس القزح,بللتنى وعطرتنى,رسمتنى على سطح لوحاتك,بسمةً مطبوعة على شفاه بطولاتك,وفجرتنى الألوان,سحقتنى جرأتك فيها,رحلت معك وتهت فيك..
وتمشى معاى وتروحى
وتمشى معاى وسط روحى
ولا البلقاه بعرفنى ..
ولا بعرف معاك روحى*1
..وكيف اهتديت إلىّ كيف؟؟ وبيننا بحران يصطخبان..آلآفٌ من الأميال ,غاباتٌ وصحراءٌ وبيد .
كان فيك شيء مألوف وكأنما لمحة منك كانت تقبع بداخلى طوال سنوات تخبطى بحثاً عنك..فى الشوارع وعلى ضفاف الازرق.
طوال جلستنا كنت أتساءل ,أين رأيتك قبل الان,ربما كان وجهك يرتسم فرحاً على سطح فنجان قهوة عندما داعبته نسائم نيلية حنينة وأنا أجلس على شرفه..ربما أحسستك فى حميمية مدنى السنى*2 عندما لمحت جانبا من وجهك يتداخل مع قبتها العظيمة بسنا عينىّ طوعاً وأختياراً..ربما كنت أنت من يوقظنى فى دامس الليل ويمد لى بورقة وقلم لأفرغ مايجيش بداخلى تارةً على السطر وتارةً يجانبه صعوداً وإنحداراً..ربما كنت تجوب بريشتك أطلال تلك المدينة المكسوة بالبياض دوماً فى مُخيلتى تُعيد بإصرار كسوتها باللون الأبيض مرةً تلو الأخرى لتُخفى رماديةً بدأت تكسو منابت شعرها..
أحاطتنى عيناك ببراحهما الممتد بمساحاتى,شجناً..عمقاً ..سحراً..حباً,وأشياء أُخر.
أُحبك ياأنا..ولأول مرة لايرهقنى ماوراء البحر وماخلف التلال, كل مايعنينى أن العمر لحظة..وأنا عمرى قد تبلور هذه اللحظة..