بالرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن التعامل مع قضية النوع في مصر عقب انتهاء مؤتمر السكان بالقاهرة عام 1994 والاعتراف بالتقصير تجاه المرأة لحساب الرجل والبدء في محاولة إعطاء المرأة المصرية حقوقها الناقصة لاستكمال ما يعرف بإلغاء التمييز ضد المرأة إلا أن قضية النوع في مصر تثير عدة إشكاليات ترجع في كثير من الأحيان إلى ما توارث من عادات وتقاليد درج الشعب المصري على تناقلها من جيل إلى جيل لاسيما وأن الريف في مصر ما زال يشكل سكانه نحو 56 % من جملة السكان والنسبة الباقية منحدرة من أصول ريفية أيضا ( 15 ) علاوة على انتشار الأمية بين سكان الريف ونظرة الريف إلى المرأة التي لا تعدو أن تكون ربة منزل وأما للأولاد يقتصر دورها داخل المنزل وأيضا النظر للفتاة الصغيرة على أن غاية ما يمكن أن تصل إليه هو أن تحظى بقدر ما من التعليم ثم سرعان ما تترك الدراسة وتتزوج لتجلس بالمنزل لرعاية الزوج والأولاد . وقد نتج عن هذه التقاليد المتوازن !إشكاليات عديدة منها تفضيل الولد " الذكر " على البنت " الأنثى " في المجتمعات الريفية .
إشكالية تفضيل الولد على البنت
تنتشر هذه الظاهرة في الريف المصري بشكل يعمق مدى التوارث المعرفي والثقافي الخاص بالنظرة للمرأة في المجتمع المصري حيث أنه في الريف المصري ينظر إلى الولد على أنه الساعد الأيمن لوالده وهو الذي يجب أن توجه إليه الرعاية الكاملة ومن ثم فإن عادات وتقاليد الريف درجت على أن يحظى الطفل " الولد " بكامل حقوقه منذ الصغر في حين لا تحظى الطفلة " الأنثى " بالقدر الكافي من الحقوق إذا ما قورنت بالولد .
وتشير الدراسات الاجتماعية التي أجريت في هذا الإطار إلى أن تفضيل الولد على البنت داخل الأسرة يترتب أثرا نفسيا سيئا لدى الأنثى لاسيما في السن الصغيرة وتسبب لها إيلاما فتنمو غير سوية ( 21 ) وبالرغم من أن الإسلام نهى عن تفصيل أحد الأبناء عن باقي الأبناء سواء كانوا ذكورا أو إناثا إلى أن عادات وتقاليد الريف المصري والمناطق العشوائية مازالت عمليا تمارس ضغوطا حقيقية للتفرقة بين الأولاد والبنات باعتبار أن الولد هو الذي يحقق لأبويه إعمار المنزل بالزواج والإنجاب والمساعدة في المعيشة في حين ينظر إلى الفتاة على أنها تعيش بشكل مؤقت في بيت أبيها ثم تنتقل إلى بيت زوجها وفي هذا السياق توجه الأسر الريفية وفي المناطق العشوائية جل اهتمامها بالذكر دون الأنثى حتى في نوع الطعام المقدم للولد وكذلك الملبس .
وتعد ظاهرة تشغيل الفتيات الصغيرات إحدى مظاهر التمييز والتفضيل بين الولد والبنت حيث تلجأ بعض الأسر تتجه للفقر وتدهور أحوالها الاقتصادية إلى تشغيل بعض أولادها الصغار لسد احتياجات هذه الأسر المادية وفي هذا الإطار ينصرف ذهن ولي أمر الأسرة إلى تشغيل فتيات الأسرة الصغيرات في مهن وحرف مختلفة في المصانع والمزارع أو حتى كخدم في البيوت في حين تحافظ الأسرة على الولد واستمراره في التعليم وتوفير الإمكانيات اللازمة له حتى ولو على حساب أخته الصغيرة .
وتقدر عمالة الأطفال في مصر بنحو 2 مليون طفل 75 % فهم يعملون في الزراعة ونصفهم تقريبا من الإناث ولا تقع هذه الشرعية تحت حماية القانون وهو انتقاص أيضا من حقوق الفتاة حتى في ظروف العمل المبكر الخارج عن إرادتها . ( 22 ) ويذهب بعض المحللين إلى أن التمييز ضد الفتاة أو تفضيل الولد على البنت يبدأ قبل الولادة أثناء الاستعداد للمولود الذي تختلف مفرداته بالنسبة للولد عنه بالنسبة للبنت فإذا علم أفراد الأسرة بأن المولود المنتظر ولدا فإن ذلك يلقي فرحة عندهم وتقدير مختلف تماما عما يحدث عند علمهم بالبنت إذ في بعض الأحيان تحزن الأسر إذا ما علمت أن المولود القادم أنثى وهو ما يتناقض مع تعاليم الدين الإسلامي وكذلك المسيحي إذا أن الأديان جميعا لا تفرق بين الولد والبنت (23) وبعد الولادة يبدأ الأهل بالتعامل بشكل مختلف مع كل منهما على حدة وتشكل خبرات حياتية مختلفة تجعل الاستجابات هي الأخرى مختلفة فالبنت تتعامل معها الأسرة من منطلق تقليدي تلعب بالعروسة وأدوات المطبخ في إشارة إلى دورها المنتظر حال أن تصبح فتاة في حين يسخر للولد مختلف الألعاب التي تحتاج إلى الذكاء والمهارة والفك والتركيب ثم بعد ذلك تأتي المدرسة لترسيخ قيمة التفوق الذكوري .
وتخضع الفتاة في المجتمع المصري منذ طفولتها لتربية صارمة تتطلب منها الطباع اللينة والتفوق في الكلام وانخفاض الصوت عند الضحك في حين يترك للفتى حرة الكلام والتصرف ويتدرب الصبي ليكون شجاعا قويا لا يبكي في حين توجه البنت لتكون سلبية ضعيفة، ويحاول الأهل استشاره الصبي بهدف تعويدة على العدوانين والشجاعة ويسخرون منه إذا بكى أو خاف ويتسامحون معه إذا تسلق الأشجار والجدران وفي المقابل يرفضون أن تكون البنت كثيرة الحركة ومتمتعه بالحيوية والاستقلالية ويؤنبونها على كثير من التصرفات التي يتسامحون فيها مع الصبي ويحاولون تعديل سلوكها ويشجعونها لكي تكون هادئة ومطيعة . ( 24 )
وعلاوة على ذلك يفرض الفتاة داخل المجتمع المصري طابع من السرية والتكتم باعتبار أنها الستر الذي لابد له من غطاء وينظر البعض إلى تدليل الفتاة على أنه خطأ ويتم تدريب البنت على خدمة الذكور داخل الأسرة بما فيهم أخوتها الأصغر منها سنا ويكون ذلك مقدمة لتدريبها على دور الزوجة المطيعة .
وقد يتعدى تدريب الفتاة ذلك الدور المتمثل في خدمة الذكور داخل الأسرة إلى إجبارها على ترك اللعب والدراسة فيبعض الأحيان للتفرغ لمساعدة الأم في الأعمال المنزلية في حين يحصل الولد على وقت أكبر للتركيز واللعب والانطلاق خارج المنزل .
ومن أبرز مظاهر العنف ضد الطفلة الأنثى التمييز في التغذية والعناية الصحية فبالرغم من الجهد الملموس للحكومة المصرية في رعاية الطفل الصحية سواء في توفير التطعيمات والأمصال أو في توفير محاليل الجفاف والأدوية وتعميم التأمين الصحي إلا أنه مازال هناك اجتماعي داخل المجتمع المصري يتمثل في سوء تغذية الفتيات وإهمال الرعاية الصحية لهن بالمقارنة للولد فالكثير من الأمهات يحرصن على إرضاع الصبيان لفترة أطول من تلك التي تخصص للبنات وفي معظم الأحيان تحرص الأسرة على تقديم غذاء أفضل للولد عنه للبنت، وتتلهف بعض الأسر على الذهاب للطبيب بالولد أسرع من البنت ويؤكد ذلك ما أشارت إليه تقارير نشرت مؤخرا من أن نسبة البنات اللواتي يعانين من الأنيميا تزيد بنسبة 2.3 % عن البنين كما وجد أن نسبة 25 % من الفتيات في سن المراهقة يعانين من نقص نسبة الحديد . ( 25 )
وفي دراسة عن إحدى القرى المصرية أظهرت الدراسة أن الأب داخل الأسرة يحصل على 32.9 % من إجمالي عنصر الحديد في غذاء الأسرة بينما لا تحصل الأم سوى على 29.1 % من هذا العنصر في حين تشير دراسات أخرى إلى أن معدل انتشار الأنيميا بلغ 22.1 % بين الحوامل، 25.3 % بين النساء المرضعات . ( 26 ) .
يضاف إلى ما تقدم التمييز في فرض التعليم بين الولد والبنت فتعليم الولد واجب في عرف الأسر المصرية أما تعليم البنت فهو عند البعض غير ضروري لاسيما في بعض المجتمعات العشوائية والريفية داخل المجتمع المصري التي ترى أن تعليم الطفل الولد لا يفسده في حين ينظرون إلى تعليم الفتاة على أنه مفسدة لها وتعليم الولد مباح وضروري حتى في المدارس البعيدة عن القرية أما تعليم البنت فيجب أن يكون بجوار المنزل وهو ما يتسبب في كثير من الأحيان في إجبار البنت على ترك الدراسة والانخراط في الأمية وقد يلتمس للولد التعثر في الدراسة في حين لا يلتمس للبنت أي رسوب أو تعثر في الدراسة ويكون ذلك سببا في تركها للدراسة .